النصر بين الأمس واليوم… تغييرات جذريّة
ضياء عياد
ضياء عيّاد
أحرز الأميركيون والأوروبيون ومعهم الإسرائيليون تطوّرات عسكرية وتكنولوجيّة متراكمة على مرّ العقود الأخيرة، ولكن على الرغم من كلّ هذا التقدّم على مختلف المستويات إلا أنّ تلك الأدوات لم تعد هي المعيار الوحيد الذي يفترض النصر خلال الحروب المعاصرة.
وتطالعنا الأحداث اليومية التي تجري في خضمّ العدوان المستعر على لبنان من جنوبه إلى شماله وعلى الفلسطينيين في قطاع غزّة بشكلٍ خاصّ، أن لا إشارات تدلّ على تقدّم الإسرائيليين نحو حسم المعركة، وأنّهم لا يحقّقون فيها سوى قتل البشر وتدمير الحجر وسحق العدالة بحقارة لا مثيلَ لها.
فصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلت عن خبراء متخصصين أنّ «غارات إسرائيل على لبنان هي أحد أكثر الغارات الجويّة كثافة في الحروب المعاصرة». ومن هذا المنطلق، لم تعد الحروب واحدة من الضرورات اللازمة وبدا التشفّي من المدنيين أسلوباً وهدفاً أساسياً بالرغم من مزاعم الديموقراطية والعدالة والحريّة الزائفة التي تقوم على حساب الشعوب الحرّة والأبيّة، من دون أي رادع قانوني أو أخلاقيّ.
ولم يعد مفهوم «النصر» في العصر الحالي كما كان عليه في السابق، حيث شهدت الحروب في الوقت الراهن ترجيح الكفّة لمن يفقه الأوضاع لا لمن يمتلك التكنولوجيا والسلاح فحسب، حيث يتمّ اليوم اعتماد استراتيجية الفهم العميق لمكامن الضعف والقوّة التي تشكّل عاملاً رئيساً يسهم في معرفة دقيقة وشاملة لكيفية إدارة المعركة وعملية المواجهة سعياً نحو تحقيق الغلَبَة.
فما هو المتغيّر الذي طرأ على الصراع مع الكيان الإسرائيلي؟ وما هو سبب فشل القوّة العسكريّة عمّا كانت عليه في السابق؟
تمتلك المقاومة التي تطرح نفسها في مواجهة «المشروع الصهيوني» وحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه إمكانيات عسكرية ومالية وبشرية متراكمة، تساعده على مواجهة عدوّه الذي يمارس إبادةً بحقّ الغزّيين من أطفال ونساء وشيوخ من دون أي تراجع من المقاومة الفلسطينية منذ ما يقارب السنة وسط جبهات إسنادٍ فُتِحت من لبنان والعراق واليمن.
ويمتلك حزب الله الذي يواجه بكلّ ما أوتِيَ من قوّة قدرات عسكريّة تجعله أقوى مما كان عليه في السابق، والمعاصر أو القارئ للعدوان الإسرائيلي عام 2006 يدرك أنّه انتصر على أعتى جيوش العالم وحقّق نصراً كما يعترف «الإسرائيليون» أنفسهم، بالرغم من انعدام توازن القوة العسكريّة، كما يمتلك قدرات بشريّة هائلة على مستوى التخطيط والمواجهة، ناهيك عن البيئة الحاضنة التي تحظى بها «المقاومة في لبنان» التي تزيده قوّة وعزماً على مقارعة الباطل ومواجهة الظالم والوقوف إلى جانب المظلوم.
وتتّسم الحروب المعاصرة بخصائص جديدة باتت مع خصمٍ يمتلك عقيدة وثقافة مميّزة تعود إلى الماضي البعيد، وهي المحرّك الأساس الذي يقود من خلاله «معركة الحق على الباطل» ذات الأبعاد المختلفة، بل «معركة الوجود والبقاء» ضدّ كلّ من يحاول أن يقضم حقّه في الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مفهوم «وحدة الساحات» جاهزٌ للتطبيق دفعةً واحدة في الوقت والزمان الذي تقتضيه الظروف والمصلحة وأصحاب الجبهات، وما الإشارات التي أُطلِقَت في الأيّام الأخيرة سوى رسائل واضحة على ذلك.
كما أنّ الدخول في خضمّ مفهوم النصر يحتّم معرفة العقل الباطني للخصم الذي تواجهه وتقوم بدراسته بمختلف أبعاده والاطّلاع على معالم تفكيره بشكل يسهّل مواجهته بطريقة توفّر ظروف الغلبة على عدوٍّ محفوفٍ بحماية دوليّة تفسح له المجال أمام ارتكاب أسوأ أنواع الجرائم ضدّ الإنسانية.
فالنصر لا يمكن أن يأتي على طَبَقٍ من فضّة أو بالإذعان والتراجع أو بخسائر زهيدة، بل يكلّف ثمناً غالياً من التضحيات البشرية والمادّية… فالحق طريق لا يسلكه إلّا من يدرك صعوبته ومن يدركه لا يستوحش لأنه حتماً سينتصر.